يتبادر للبعض أن النقد حُصِرَ إجمالاً للسلبيات أو تتبع أي عوار أو قصور ، فالنقد الأدبي يتناول مواطن الابداع وما حمله النص أو القصيدة أو سواهما من شتى صنوف الابداع الأدبي بالنقد من صور بلاغية وما يحمله من مفردات تتميز بسلاسة اللغة وجزالة الأسلوب ، ويعرّج الناقد المتمرس والمتخصص إلى ما ورد بالموضوع محل الدراسة النقدية وما يجب أن يكون بالانتقاد إيضاح للمزايا والعيوب , وحين نقول انتقد بشدة ..تعني العيوب فقط .
والنقد الشخصي ؛ أو المجتمعي للمرافق الخدمية بالغالب الأعم يقتصر على تناول الجانب السلبي ، أما مواطن الابداع والاتقان فلا تدور بخلده ، ويرى أنه يدخل ضمن إطار الواجب ، بيد أنه من الانصاف الاشادة والتثمين لا التجاوز في المديح ومن المفيد من ينتقد قصورا أو اهمالا أو جوانب فساد ، أن يضمن انتقاده طرح مقترحات لإصلاح مواطن القصور ، الى جانب تعزيز مواطن الابداع لتعزيز الايجابي ،ومن الأفضل أن يكون الناقد متخصصا وله خبرة تراكمية فيما يتناوله .
لكن من اللافت أن مفهوم النقد التحدث عن السلبيات ، حتى ممن لا يمتلك أدوات أو خلفية ثقافية أو معرفية ، كي يقترح بدائل تسد الخلل أو يقترح نمطا معينا يقلل من السلبيات ولو بالحد الأدنى ، بينما نجد في بلدان متقدمة أن شؤون الرياضة لا يتعاطى الولوج فيها إلا ناقد رياضي متخصص، و بالمجال الصحفي يوجد مراسل رياضي ، وآخر اقتصادي ، و سياسي ؛ كما يتوفر بها محامٍ متخصص بالخلافات الاجتماعية والأُسرية وآخر متخصص بالتزاعات التجارية والمصرفية ، ومحام متخصص في قضايا الفن بشتى فروعه ؛ محام ، أو صحفي إلخ ...
أعود لأشدد أنه من الطبيعي أن يكون لك فرد في أي بلد الحق في إبداء رأيه وفقا للقانون ، وبما لا يتعارض مع الثوابت والقيم الدينية و الأمن القومي أو الوطني لبلده ،بيد أن آراء غير المتخصصين لا يُحتّجُ بها ، لكن يجب احترامها وعدم مصادرتها بل الاصغاء إليها ، لكن لا يمكن مقارنتها بما يتناوله متخصصون " نزيهون " من حيث الاستئناس على الأقل بآرائهم واقتراحاتهم في قضية معروضة بمحكمة أو لجنة نظر ، وعلى المدى البعيد يعود المخططون لآراء المتخصصين لسد الخلل في الأنطمة أو اللوائح ؛ وعلى من يواجه سلبيات أن يتناول الأداء في أي عمل .
وعلى من يوجّه إلى إدارته انتقادا أن يصل ليقين راسخ بأن المقصود ليس شخصه وخصوصياته ، ويدرك قبل ذلك أنه للوظيفة وليست الوظيفة له ، فالمخلص في عمله يتقبل ولو على مضض ، ويستفيد مما يقترح أو يُتمنى عليه فعله ، وعلى المنتقد أن يَشخّص على كافة جوانب أداء المسؤول ، ولا يقتصر على ما واجهه بأمر يخصُّه ، ولا يعزب عنه بأنه بالمطلق محق في تفسيره لما واجهه ، وقد يكون القصور في النظام واللوائح التي تفرض على المسؤول التقيد بها ، لكن إن وجد استنسابية في تطبيقها وكما يقال " يكيل بمكيالين " يقينا لا ظنا أو تسبب فيها من تحت إدارته مسؤولون تنفيذيون ، أو لوجود خلل في الاجراءات .
ومن أبرز السلبيات والتي يشاهدها الآلاف - سوء تنفيذ المشاريع وتعثرها - ، وبالرغم من تكرار ا الشكاوى والمناشدات ، تتحطم على بعض ممن آذانهم لا ُتصْغى ، ديدنها الاستخفاف ، والتجاهل ، والتسفيه ، بالمقابل ما يحرك المياه الرَّاكدة ، وتتصاعد لحراك يشغل الرأي لعام ناجمٌ عن ضيق المواطن ؛ألاَّ نتائج تذكر من جأره ، فيما يعوّل المسؤول على أن عامل الزمن كفيل بنسيان ما قيل عن مرفق يديره أو كُتب عنه، فيما كثيرٌ من المواطنين يصلون إلى مرحلة التّبّلُّد والاحباط ، فتصبح تلك الأخطاء والسلبيات بنظره لن تتحسن ، فيلوي رأسه غير عابئٍ بها ،و المسؤول ينفي ويفند عبر أوجه متعدة من المراوغات و المبررات ويرمي الكرة بعيدا عن ميدانه ، أو إلى الأعلى منه ، وهذا يعود لغياب المتابعة والرقابة والمحاسبة ، فحين تشتم رائحة " الشواء " بعد إفلاس تمائمه و إعفائه بناء على "طلبه " ... دون محاسبة .
وبغياب بل تغييب المساءلة والمحاسبة تطفو إلى السطح أرتالٌ من الظنون والريبة بعد أن كانت همسا ، إمّا في قصور القوانين واللوائح " النظام" أو في تجاهل تطبيق نصوصها ، خاصة في حال عدم وجود نصوص قانونية تطبق على من غادر موقعه لأي سبب كان ،بل يجب أن تتم محاسبته على ما اعتور مرفق شغله ، فيما يغادر موقعه بصمت ، مع أن لكل وزير صلاحياته واختصاصاته وتفويضه بما يقع تحت سلطاته, وقد أدى على ذلك القسم قبل مباشرة عمله ، ومتى كان ذلك ولو بهامش من الأخطاء البشرية ، ستتقلص الانتقادات بل من الطبيعي أن يشاد به ، كما هو بالفعل هنالك من يستحقون الاشادة حتى وإن غادر السلطة أو الفانية .
ختاما : ومتى احترم الوزير القسم يستطيع أن يغير الكثير ، ومن المفيد أن يسن قانون أداء القسم بصيغ مناسبة لما دون الوزير ؛ كوكيل وزارة أو وكيل مساعد أو مدير عام أو مدير بأي مؤسسة أو إدارة كانت بالقطاع العام أو الخاص .