لا تنتظر بعض المدن كوارثَ ولا سيول ولا فيضانات، كي نكتشف أنها تعيش كارثة. ثمة مدن أدمنت العيش الكارثي، المحسوس منه، والمطمور تحت حوائط الاعتياد.
جازان، سلة غذاء المملكة، لؤلؤة الجنوب، حامية خط النار، مصدّرة الشعراء والأدباء والصحافيين، وملهمتهم. تدخل قائمة المدن هذه لديّ، ليس لأنّ جازان تستحق أن أقول لها ملء فمي: شكراً مدينتي الأمّ، ولا لأنّ أهلها، تلمح في عيونهم ما قلت سلفاً مطلع المقالة هذه، ولا ينطقون \"غالبا\". ولا لأن زيارتي لها مطلع الأسبوع هذا، كانت مقررة لكلّ ما أسلفت. وإنما لأنّ جازان لا تحظى أن تكون في مراتب المدن الأولى لدينا، أخذاً لا عطاءً، باعتبار أنّ هذا التقسيم جائز إثر ما انكشف من موضوع مدينة جدة \"عروس\" البحر الأحمر، ورابطة العقد الزاهي في مدننا، تزهو بأكبر عقد تمويلي في مجال الصرف الصحيّ يكاد يكون على مستوى مدن العالم كما ذكرت جريدة الرياض.
ليس من شيء خلفه جهدٌ إلا ويثمر. بعيدا عن مقولة \"مالارميه\"، التي لا تشبه هذه، أودّ أن أقول أن الجنوبيّ، الجازانيّ خصوصاً، ليدهش حقاً، حين يزور بغتة مدينة كبرى، وإنه ليعجب أنّه ضمن بلد واحد بسياسة واحدة وتوجه واحد وأصالة كذلك. أي شوارع تلمع تحت قدميه هنالك، وأي سكك مردومة بغبار التاريخ والوحول ترتمي تحته هنا، أية مرافق عمومية ترفيهية هنالك، جاذبة وجذابة، وأي افتقاد لمتطلبات العيش الاضطراري هنا، إذ يلزم الشخص الجازانيّ أن يحجز مقعداً، في سيارة أجرة، يمخر بها عباب الصحراء القارسة وحدة، كي يصل لطبيب يغسل كليتيه، أو يصحح مرأى عينيه، أو يخبره أن سرطانه الناتج عن تلوث مدينته، أدّى باصطفافه منتظراً دوره في قائمة الراحلين عن الحياة بعد 6 أشهر من تاريخ هذا الكشف.
ليس هذا كشفاً لجديد، ولا بحثاً عن مجهول، ولا نداء إلى من لا يسمع، وإنما تساؤل مروّع كان يطاردني في كلّ أزقة ذي المدينة، وأنا الخارج توّا من كشوفات جدة، ووحولها، ومجاريها، التي لم تجرِ إلا على ساكني أحيائها الشعبية، وفلذات أكبادهم، ومدارسها النائية، وسياراتها الباحثة عن تشليح يتسع لحديدها الصدئ.
ماذا عن جازان إذ تغرق بغير ما مطر ، وتموت ولا من خبر. والتشاؤم، والسواد هنا مطلوب. صحيفة سعودية عنونت قبل زيارة السيل لمدينة جدة، ما مفاده أنّ الأمين العام للمدينة يقول لها: كلّ شيء بخير، وجدّة بعد عشرة أعوام، ستكون أفضل مدن المملكة والشرق. لنكتشف أنّ جدة بعد عشرة أيام من تصريحه، مدينة للجثث والمفقودين، ورمي الذمم من أمين إلى \"أمين\"، ونخوة العالم المطالع لمأساتنا، يناصرنا في فضائيته: من المسؤول عن كارثة جدة.
أتساءل الآن، وأعرف أنه لا جديد في جازان يستوجب تساؤل الدهشة هذا، وهذا بحدّ ذاته ما يجعلني أتساءل. إذا اعتادت جازان أن تكون قديمة حتى في تساؤلاتنا عنها.
أسأل سؤالاً من هذا القبيل، حتى لا تكون هذه المدينة العزيزة علينا جميعاً، صنواً لسؤال آتٍ من مجهول لا نعلمه، ينادي حيطان الأمانات المتعاقبة صمتاً: \"من المسؤول عن كارثة جازان\".
johary67@gmail.com
الأستاذ الكبير: عبدالرحمن الجوهري هنا
دائماً ، نحن في جازان أحقّ بأبنائنا . شكراً لكم جميعاً.
رائع ياعبدالرحمن ، كعادتك
سواء كنت هنا أم هناك
مشكووووووووور يابو مجزن على المقال والله يوفقك
ولكن يجب ان نتخلص من الطيبه الزائده في اهل المنطقه والتي اصبحت عيره نعاير بها والتي تجعلهم صابرين وساكتين
يجب ان نطالب بحقوقنا بكل قوه ((( ووقاحه)))
اما السكوت والرضى بالفتات فاهذا يجعلنا في مصاف اقل من الهجر التي سكنت بعد جازان ب 8000 عام
كم احنا مظلمين ومساكين وهذا بسراحة يخلي في قلبي كرة عل المسؤول ليش كل هذا الظلم ليش احنا ناس منبوذين في المجتمع كلة عشان متاخرين فل التنمية هذا هو السبب الرئيسي
لاكن بسبب التهميش اللي راح تكون عواقبة غير سليمية
أنا مابغا اكمل عشان الصحيفة ماراح تنزل اللي اكتبة
تحياتي للكاتب
إنهم بدونك لا يسبتون يا عبدالرحمن، وجازان انصفتها واقعا ولم ينصفوها ابدا
تحية لروحك ولا عزاء لعكاظ ان رفضتك
ومحدق في السواد الغير طبيعي إلى حد اللامنتهى
ولكن.. لست وحدك هكذ1 بل كل من هو هنا يشعر بما تشعر
ولكن عيبنا الوحيد أننا لا نعرف كيف نواجه الحقيقة وكيف نعكسها
إن كانت جدة أصيبت بكارثة فهل من المعقول أن ننتظر إلى أن تتصدر هذه الكارثة كل مدن المملكة جازان أو غيرها..
أملي في قادم جميل لجازان
تسلملي ايدك ياعبدالرحمن
حروفك تنقط ذهب ايضا فكرك
وكما قلت جازان في بعيدة عن الاهتمام والمشكلة المسؤولين عارفين بس محنا عارفين لييييش؟
استمر سيف الضعفاء ونبض تهامه
شكرا جازان لانك انجبت عبدالرحمن ...
واقولها ملئ فمي اين انتم يامسئولي ومثقفي ومثقفات ابناء جازان المنطقة ؟؟؟!!
تحياتي لك ..
ابن الهواشم